أصبحت أشعر بالخجل، لا لأننى عربية وأنتمى إلى هذا الوطن.. وطنى الأكبر، الذى لا يذكر فقط إلا فى الأغانى، ولا لأننى من العالم الثالث الذى ينظر إليه العالم الأول من بعيد.. بعيد جداً، لدرجة جعلته يفصل بينه وبيننا بعالم ثان، لا وجود له أصلاً!
وجد ليفصل بين العلية والحثالة، ولكى يوضح الهوة الشاسعة بينهما، فتلك الأسباب تشعرنى بالخجل منذ زمن بعيد وليس الآن فقط! لا أشعر بالخجل لأننى مواطنة مقهورة تقف مكتوفة الأيدى تنتظر دورها فى تنفيذ ما يأمرون به، أو لأننى دائماً مفعول به، ونسيت حتى كيف يكون دور الفاعل، من كثرة انتظارى لتمثيل هذا الدور!
لقد أذابنى ذلك خجلاً منذ الصغر!.. أعتقد منذ ولادتى قد رضعت الإحساس بالخجل من هذه الأشياء مع لبن أمى، ولكنى الآن أصبحت أشعر بالخجل من أشياء مختلفة تماماً!! أصبحت أشعر بالخجل عندما أضع قطعة من الشيكولاته فى فم ابنتى الصغيرة، وعندما أدثر الأخرى بغطاء ثقيل يقيها شر برد هذه الأيام.. أصبحت أشعر بالخجل من نفسى عندما يعترينى الضيق لأى سبب، حتى وإن كان خبر تحطم سيارتى بالشارع!!
أصبحت أخجل من نفسى عندما أفكر بحاجاتى الطبيعية للنوم الآمن، أو للشبع بعد الجوع، وأقصد بالجوع هنا الامتناع عن الطعام لمدة ٨ ساعات!! أصبحت أخجل من نفسى مع كل ملعقة من حسائى الساخن، ومع كل قرص مسكن مستورد ألقيه فى فمى للتخلص من صداعى المزمن..
أصبحت أشعر بالخجل وأنا أصلى.. وأنا أقف أمام ربى معلنة له وللكل أننى أدين بالإسلام، والذى ينادى بأننا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له بقية الأعضاء بالسهر والحمى.. أصبحت أشعر بالخجل حتى وأنا أدعو لهم.. إخوانى فى غزة.. لا أكذب عليكم أننى أشعر حتى بالخجل من نفسى وأنا أكتب هذه الكلمات.. فبماذا سينتفع طفل محترق بلا علاج ولا مأوى ولا ملبس من كل هذا؟ وهل سيمنع أى من هذا قتل أو إصابة طفل آخر؟!